جبروت الطّغيان
أريد طريقاً أفضل, مهيّئاً بالياسمين، فمُحيطي زهرة ذابلة تتكئ على تُرابٍ جاف. مع أنّها أحياناً تستفيق كعاصفة شوكٍ و تضرب يميناً و شمالاً.. لكن وجعها يخدّرها من جديد فتذبل من جديد. أحزنُ و يعقصُني الدمعُ; اشمئزازي من الحاضر قدير، فمزيج من الرّغبة و العُنفوان في النّفس يفيض. رغبة ثورة و عنفوان طفلٍ يتصارعان، لكن ما نفعه الصّراع ما دامَ الزّرع ليس زرعاً والمحصول شبه كئيب.
أفزع لوهلة من الأثير التَّرِح الذي لم يبرح منا مذ كنّا صِغاراً, و نفسي كمتراسٍ تمنعني من السّقوط، مع أنّ القلب مُترعٌ بالأسى و على سَبيلِ الهاوية يخطو مُجازفاً بأنفاسه. فأرى عصراً جامِحاً، تحكمه جَبروت المالِ التي باتت تُسبّح أناساً خضراء الدّمن. غيّرَ المال حظوة امرئ قد اختلس القمح من أرض جدّي في البارحة. فبات السّارق الدجّال أعلى شأناً من جدٍّ داهمَهُ قدَحُ سنينِ الشّقاء، حتى أصبحَتْ نقودهُ مرصوفة كحجارة جدّي الّتي نسّقها ليكسب رقيق المال.
وأسأل أسئلة واضحة؛ ما مُهجة شخصٍ بدحض الضّمير؟ و لماذا يتغنّى نشوةً ذاك المَلسون بتنحية الحقائق؟ هل كانت الهيمنة يوماً ما أسلوبَ التقيّ ؟ وكيف الوداعة استثمر بها القدر لتكون رأس مال الوضاعة؟ و أين تُصرَف ذرائع هزيلة لا تناهز الصّحة أو شبهها؟ هل من "شروطِ القبول للدّنيا" أن نكون خنادب؟
نُحِتت ذواتنا بالوصايا العشر، و مع هذا تبقى الغرائز فينا تناجي الانحراف عن الدّرب. و أيضاً، لا تسأم أرواحنا أن تتكبّد زلاتٍ آتية بذات الرّعد و الصّليل، نعتبرها حلاوة الأيّام و النّعيم. نداعب الرّذائل و نقتني السّيئات من بينِ الموجودات، ننغمسُ بالإثم ناسيين الورع و مَعانيه. لا توضع أعمالنا داخل إطار، فنخبطُ خبطَ عشواء بالرّغم من كوننا مُدركينَ اليقينَ والنتائج. بطبيعتنا لسنا كاملين، إنّما الفرق جسيم بين جرائم متعمّدة و جرائم عفويّة (ولأعرضَ الأمر بمرادفٍ ألطف من السّابق أقولُ "سهواتٍ" بدلاً من الجّرائم).
عفواً منكم إذا ما أتاكم كلامي كالجّلجلة في آذانكم, فالوضع الرّاهن يستفزّ الحقّ في نفسي. أسِنّ رماحي بمبرد استقامتي.. علّهم يصيبون مرامي العزيز. و تبقى الدّنيا دنيا لا يغيّرها سواه السّميع المُجيب. فإنّي أبحثُ عن عنوانَ محبةٍ ينير درب الصّفاء, درباً قد أظلمته عثرات السّنين و المشاعر الوخيمة. عَساها محبّة مسيحِنا تصفعنا صفعة يقظة، وتشدّ بنا نحو الصّلاح والمُصلاحة مع ذواتنا ومع عالمِنا هذا. لنتّخذَ المسيح نهجَ المسيرة التي وُكِّلنا بها، المسيرة التي اخترناها بوعيٍ كامِل. فليخرجَ منّا الزّوان ونَبيَضّ.
بقلم: شفا أبو عقل