لقاء الآخر
هل كان حلمك أن تتعرف على الآخر، حتى تبني مجتمعًا متوحدًا وموحدًا؟
بحلول ربيع 2008 دعيت لحضور مؤتمر بقبرص، وعند وصولي للفندق أثّرت بي الابتسامة التي استقبلنتي- إبتسامة محبة حملها الآخر لي- دون أن يعرف هويتي وأصلي أو ثقافتي وخلفيتي وسِني خدمتي.
إبتسامة كانت تعكس نورالمسيح، فالإبتسامة والمحبة هما السبيل وحلقة الوصل للتعرف بالآخر، وقبوله عند لحظة لقائه. والمسيح مثالنا، فقد قبل يسوع اللصين المجرمين على أن يكون أحدهما بملكوته وهو على الصليب، وسامحهما، وهو ما يشهد عليه إنجيل لوقا البشير 23 :43 "فقال له يسوع الحق اقول لك اليوم تكون معي في الفردوس". وهذا يشير إلى تعامل الرب يسوع مع البشر اجمعين، لقد كان السيد المسيح على الصليب وكان يفكر بالآخرين، إهتم بمريم العذراء أمه وأوصى يوحنا بها، وسامح اللصين.
من المفروض كمسيحيين أن تكون حياتنا مجبولة بالصليب وأن نحيى بحسب الصليب، فالمسيح عاش حياة على الارض مليئة وغنية بالمحبة والتسامح والقبول والتواضع.
لقد قَبِل ذلك المجيد أن يهان ويتألم من أجلنا، وقبل أن يُسحق من أجل آثامنا، ويقول الكتاب المقدس في سفر إشعياء النبي 53 :4 ،5 "لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابًا مضروبًا من الله مذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا".
فعندما نتأمل بعمل المسيح وصلبه ... يُسْتَهزأُ به، يُضْرَب بالقصبة على وجهه، تُثقب يداه ورجلاه، من يصدق هذا الخبر؟؟ إننا في تعجب نتساءل: ما هذه المحبة التي جعلت المسيح يهان من صنعة يديه؟؟ ومن ماذا نتعجب: هل من قساوة الإنسان أم من محبة الفادي الجريح؟؟
في الحقيقة في كل وقت تفهم وتقدر مشاعر شخص آخر فإنك تبني حياة مشتركة مؤثرة، حياة فياضة مزدهرة.
ثمة مسؤولية ملقاة على عاتقنا والله يتوقع مني ومنكم أن ننجزها من خلال عائلاتنا ومحيطنا وكنائسنا ومجتمعنا.
نحن نحتاج للقاء الآخرين والسماح لهم بالدخول إلى حياتنا ومشاركتنا لكي ننمو وبطريقة أسرع وأقوى عن طريق التعلّم من بعضنا البعض وتحمل مسؤولية بعضنا البعض.
يوصي الله بأن نقبل بعضنا ونحب ونشجع ونحمل أثقال بعضنا بعضًا، والكثير من المهام المتبادلة الأخرى. ويؤكد الرسول يوحنا على ذلك إذ يقول: "وهذه هي وصيته: أن نؤمن باسم إبنه يسوع المسيح ونحب بعضنا بعضًا كما أعطانا وصية". (يوحنا 3: 23).
إن القصد من الحياة هو أن نحياها بشركة مع الآخرين، وهذه الحياة تتم بلقاء الآخر وقبوله والتحاور معه. فقد قصد الله لنا أن نختبر الحياة معًا، ومع ذلك فقدت تلك الكلمة معناها اليوم!!!
فالشركة مع الآخرين ليست ثرثرة سطحية، إنها مشاركة أصلية من القلب إلى القلب. وأحيانًا ما تكون على مستوى الأعماق، وهي تحدث عندما يكون البشر صادقين بحقيقتهم.
علينا قبول الآخرين والتحاور معهم بالرغم من إختلاف الشخصيات، ولكن مشكلتنا هي المقارنة، إذ نحاول وضع الآخر بقالبنا ليشبهنا دون أن نُغفِل أن لدينا حبًّا للسيطرة.
إن الأفضل أن نقبل الآخرين بنفس المستوى والكيفية التي قبلنا بها المسيح، فقد أتينا اليه بكل نواقصنا وخطيئتنا، وقَبِلَنا .
لقد أتى المسيح إلينا وبصلبه وقيامته قدم الخلاص للبشرية كلها، وهو الذي هدم أسوار العداء، وصالح الجميع مع الله، ووحَّدنا بجسد واحد. لذا يجب أن يكون صليبه مركز وحدتنا، وعمله الكفاري مثال لنا. ويشهد الرسول بولس على هذا الكلام في أفسس 2 :16 قائلاً "ويصالح الإثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلاً العداوة به".
إن الاختلاف تحدي! فهل استطيع التحاور مع المختلف عني؟ أأقدر على قبوله ومحبته واحتوائه؟ صلاتي لله أن يمنحنا حكمة سماوية لنعيش بتوافق وانسجام مع بعضنا البعض ومع ما يقوله الله بكلمته، آمين.
الأخت فرحة شحادة مخول