معرفة ارادة الله - الجزء الثاني
* الاستشارة *
يريدنا الله أن نستشير بعضنا بعضاً، وقد أقام الرب بنعمته مرشدين في كنيسته نلجأ اليهم بهدف الاستشارة، لأنه لا يوجد أحد يعرف مشيئة الرب لوحده، وقد قصد الرب ان نكون متواضعين فيحتاج أحدنا الآخر كأعضاء جسد المسيح الواحد. لكنه يصعب علينا أن نتنازل ونتّضع أمام اخوتنا ونسألهم ونسمع لرأيهم. ويشهد كلاً من الكتاب المقدس والواقع أن الاشخاص الذين يتصرّفون دون نصائح الغير واسترشادهم، يسقطون في كثير من المآزق والأخطاء. لذا فمِن الحكمة وحسب فكر الله أن نسأل رأي اخوة لنا. مع انه ليس من المفضّل أن يذهب أحدنا بمشكلته وأمره الى كل أخ وأخت يقابلهما، بل المقصود هو ان أعتبر نصائح اخوة ناضجين في الايمان، ضابطين لسانهم، الذين يمكنني أن اتوجّه اليهم أيضا بشكل شخصي وأن أسأل عن أمر يهمّني. لانه كم مِن حيرة تلاشت بسؤال واحد لأخ ناضج تكون اجابته كجواب الله نفسه. لأن الله يريد أن يجيبنا من خلال اخوة لنا. "حيث لا تدبير (نصيحة) يسقط الشعب"(ام14:11)، "مقاصد بغير مشورة تبطل وبكثرة المشيرين تقوم"(ام 22:15)،"اسمع المشورة"(ام 20:19)، "فقال الملك، أليس هنا نبي للرب فنسأل الرب به"(2مل11:3). لكن علينا أن نسمع لمرشدين ناضجين وروحيين، فيُعلنون لنا ارادة الله."ان كان يتكلم أحد، فكأقوال الله" (1بط11:4). و"أما الحكماء عند انفسهم" (رو16:12)، فيذهبون مِن فشل الى فشل ومِن هزيمة الى اخرى. "أرأيت رجلاً حكيماً في عيني نفسه؟، الرجاء بالجاهل اكثر من الرجاء به"(ام 12:26/3: 7)، "ويل للحكماء في أعين أنفسهم والفهماء عند ذواتهم"(اش 21:5). "لانك تقول أني أنا غني ولا حاجة لي الى شيء ولستَ تعلم أنك أنت الشقي والبئس والفقير والاعمى"(رؤ 17:3).
"فهمت من الكتب" (دانيال 2:9)
فهم دانيال أفكار الله من الكتب المقدسة أي أنه درس الكتب وبحث وفتش وفهم معاملات الله وأفكاره ثم فهم لنفسه ارادة الله، وهكذا علينا ألا نتوقّع جواب الله بشكل سحري أو عفوي، بل مسؤليتنا أمام الرب أن نكون مملوئين من معرفة مشيئته في كل حكمة وفهم روحي لنسلك كما يحق للرب" (كو 9:1)، أي أن نقرأ كلمة الله باستمرار وتسكن كلمة المسيح فينا بغنى ونمتلىء من أفكار الرب ونعرف ما يريده الله لانه أعلن عن ذلك في كلمته، فهو يريد لنا حياة القداسة والانفصال عن الشر (1تس3:4) وأن نشكره على كل شيء (1تس 18:5) وأن نفعل الخير دائماً (1بط 15:2) وأن نتمتّع بالرب (مز 4:37) وان نطلب ملكوت الله وبرّه أولاً (متى 33:6) وأن نسامح ونغفر (متى 35:18) وأن لا نحب الامور العالمية والشهوات وتعظّم المعيشة (1يو15:2)، أي أن لا نختار موضوع دراسي لا يليق بمؤمن او عمل عالمي يعيق تقدّمنا الروحي او زوجة عالمية تطلب تعظّم المعيشة ومحبة العالم، بل أن نعيش بتعقّل وأكتفاء وتواضع وأن نمجّد الرب يسوع ونصلّي ونواظب على الكلمة. فكل ما يعيق ويعطّل تقدمّنا الروحي وينزع فرحنا في الرب، هو ليس مشيئة الله!، فلا حاجة للصلاة والانتظار لفهم مشيئته في أمر ترفضه كلمة الله بوضوح، فالعمل في مهنة غير لائقة بمؤمن ودراسة موضوع لا يناسب مؤمن والزواج بغير مؤمنة او مؤمنة عالمية او جسدية وأخذ خطوة يحيطها الاثم، كل هذه وأمور اخرى تُفسد الشهادة المسيحية وتضعف الحياة الروحية وتهين اسم الرب وتعود علينا بالحزن، واضح انها ارادة الشيطان ولنحذر حتى مِن مناقشتها او المساومة فيها على حلول وسط، لنحرص من كل شرّ وشبه شر (1 تس 5: 22)! فيمكننا ببساطة، ان كنا صادقين، أن نميّز مشيئة الرب من الكلمة ومن حياة القديسين والانبياء فيها، لان الله وافكاره لا يتغيّران!.
"لا تكونوا أغبياء بل فاهمين مشيئة الرب" (اف 17:5)،
"تضلّون، اذ لا تعرفون الكتب" (متى 29:22)،
" لأن أفكاري ليست أفكاركم" (اش 8:55)
"لذلك سُبي شعبي لعدم المعرفة" (اش5: 13"،
"قد هَلك شعبي مِن عدم المعرفة" (هوشع4: 6).
"المستعجل برجليه يخطأ" (ام 2:19)
ان كل خطوة نتّخدها بتسرّع واندفاع وتهوّر هي دائماً خاطئة، وتوصل الى الفشل، ومِن الصعب إصلاح ذلك. فالقوة تكون في الهدوء، والنجاح في التروّي والأمان في الانتظار امام الرب (اش30: 15). والله يريد أن يعلّمنا أوّلاً الصبر والانتظار والاتكال عليه. وما اصعب الانتظار! فالانسان، إن اعجبه أمر ما، يسرع ويجمح ولا يقدر أن يصبر لحظة. لنحذر لانه هكذا يتعس الملايين "ان صعدت عليك روح المتسلّط فلا تترك مكانك لان الهدوء يسكّن خطايا عظيمة" (جا4:10)، أي إن تسلّط عليك فكر ما او رغبة ما، فاهدأ الى أن تخِفّ حدّتها، ولا تتخّذ خطوة وداخلك هيجان وعنفوان. وصدق مَن قال ان العجلة من الشيطان والمسئول هو الانسان عن الخطوة وعن نتائجها. وكم خطوة جعلت صاحبها يحصد المرارة كل الحياة حين لا صلاة ولا دموع، لا توبة ولا ندم يقدر أن يعيد الوضع الى ما كان عليه سابقاً، بل نتحمّل النتائج ونعاني نحن ومَن حولنا. لا تتسرّع صديقي، بالكلام ولا بالحكم على الامور، مع انك تخشى كثيراً أن تضيع "فرصة لا تعوّض"، لكن لنعلم أن الامور هي بيد الله والفرَص هي في يديه ايضاً، وهو يعطي الافضل في حينه، ويهب لنا حاجتنا (في4: 19) وما يناسبنا وليس ما نشتهي. لنؤمن فقط! ان الله يستطيع ويريد أن يعطينا الافضل! نحن لا نشعر هكذا، لكن الكتاب والواقع يؤكّدان ذلك!..
نبني قصوراً من ثلج، ثم نتعجّب انها تذوب !
كيف اذن نعرف اننا نسير في مشيئته؟
* ان كنـّا فعلاً نريد مشيئته.
* التأنّي: أن نسكّن قلوبنا قدّامه اي أن نهدأ. نهدّىء أفكارنا واندفاعاتنا. نهدأ وننتظر. لان في العاصفة لا ترى شيئاً وعند الامطار تكون الرؤية محدودة.
ان سكنّـا انفسنا وكان لوم في داخلنا وعدم راحة، لننتظر اكثر، الى أن يوضّح الله الطريق جلياً ويزيل الغيوم السوداء. "إن لم تلمنا قلوبنا، فلنا ثقة مِن نحو الله، ومهما سألنا ننال منه"(1يو19:3– 22). لا يجب أن يغيب عن بالنا أن الشيطان يعمل دائماً على افشال مشيئة الله. كيف نعرف اذن إن كان فكر ما، هو مِن الشيطان؟. مهما ظهر او بدا الفكر صالحاً ومفيداً، فالفحص هو كلمة الله، فكل فكر يِنتج ابتعاداً عن الله ويقودنا الى الخطية والضعف الروحي هو من العدو. لنسأل أنفسنا، هل يوصلنا فكر ما الى الله ام الى نتائج سلبية؟، "توجد طريق تظهر للانسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت"(ام 25:16). لانه هكذا قالت الحية لحواء:"لن تموتا، بل الله عالِم أن يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله(تك5:3)، مع أن الله كان قد حذّر مِن ذلك. ويحذّرنا بولس أيضاً قائلاً "أخاف انه كما خدعت الحية حواء بمكرها، هكذا تُفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح"(2 كو3:11). هوذا حبة خردل صغيرة جداً، اذا زُرعت، تُنتج شجرة عظيمة وتصنع أغصاناً كبيرة حتى تتآوى طيور السماء تحت ظلّها"(مر31:4)، هكذا خطوة خاطئة صغيرة تنشيء نتائج سلبية عظيمة وتضع خطط شيطانية تهدم حياتنا وحياة اولادنا واحياناً تهدم الكنيسة المحلية. أما الخطوة الالهية فنتائجها المباركة تكون بلا حدود. لكن البعض يزرع بذور شوك ويصلّي لتصنع قمحاً! ثم يشكو ويبكي، لماذا لم ينتج قمحاً!
* اولويـــــــات *
"لان الانسان ينظر الى العينين اما الرب فينظر الى القلب" (1صم 7:16). نحن نرى الشكل والمنظر، الوجه والمظهر، نحن نحكم حسب ما نرى من شكل وما نسمع من كلام وما نلمس من علامات وأحداث، لكن هل هذه هي الحقيقة للأمور؟ ان القيمة الحقيقية دائما داخلية والكنز دائماً مطمور والذهب مخفي والمجد مغطّى (اشع 5:4) واللالىء مُقفَل عليها! الرب يرى القلب والجوهر، الداخل والمعدن والقيمة الحقيقية للناس وللامور. كثيرا ما نهتم بما يراه البشر وما يحكم به الناس ونتجاهل ما يراه الله، مع أن الله وحده فقط يرى حقيقة الامر. هو يرى كل الجهات. لا تعتمد على فهمك ولا تكن حكيماً في عيني نفسك ولا تتّكل على بشر بل أنظر بمنظار الله. يرى الرب الداخل والخارج معا، القلب والقالب معاً، الحاضر والمستقبل. أما رؤيتي انا فمحدودة جداً. والويل إن سِرت حسب رؤيتي المحدودة! "حماقة الرجل تعوّج طريقه، وعلى الرب يحنق قلبه" (ام 3:19). ان الله يريدنا بالحري أن نهتم أولاً بالداخل والجوهر، بانسان القلب الخفي، زينة الروح الوديع الهادىء الذي هو قدّام الله كثير الثمن (1بط 4:3) أي الى الوداعة والقناعة، وروح التنازل والتسامح. كثيرا ما نختار نحن المؤمنون، ما هو مستحَبّ عند الناس وما يمدحه البشر. مع أن البشر تختار كشاول الملك قديماً، كل ما هو جميل الشكل ووسيم المنظر، طويل القامة وقوي البنية، لكن بقلب عنيد وخائف، مليء بالكبرياء والاندفاع والجهل، ولا ينتبهون الى داود الفتى الصغير لكنه حكيم وأمين وناجح ووديع. مع أن داود لم يكن بشعاً!. هل تبحث عن عمل او موضوع دراسة او زوجة، احذر مقاييس البشر الخادعة، احذر المظاهر!. "ايها الرب العارف قلوب الجميع، عيّن انت مِن هذين الاثنين أيّا اخترته" (اعمال 24:1) "لانك أنت وحدك قد عرفت قلوب بني البشر"(1مل39:8). أمَا اختار لوط لنفسه سدوم بسبب جمالها وخصوبتها وتعظّم معيشتها مع أن "أهلها أشرار وخطاة لدى الرب جدا"؟ (تكوين 10:13 – 13). "إن راعيتُ إثماً" (مز66) ان الاثم هو تمسّكنا بالخطية التي في قلوبنا كالشهوة الرديئة مثلاً اوعدم المسامحة، الكبرياء او محبة العالم، الانانية والقسوة، الغضب والمخاصمة ومحبة المال.. والخطية تلوّث الانسان حتى تمنعه من الرؤية. كما أنه يجب علينا تنظيف زجاج السيارة قبل السير، هكذا يجب تنظيف القلب مِن كل خطية فبل طلب مشيئة الرب لحياتنا.. لا يمكننا أن نكون بلا خطية ساكنة فينا، لكن النقاوة والطهارة والقداسة بحسب الكتاب المقدس انما هي موقف الاعتراف بكل خطية والحُكم عليها ورفضها وعدم التمسّك بالخطية في القلب، عندها نعرف أن الرب غفر لنا كل خطية وأننا نسلك في النور لنرى بوضوح أمامنا. الخطية تشوّه وتشوّش الرؤية، فلا نرى الله، لان انقياء القلب يعاينون الله، ولا نرى الطريق، لان مَن يسير في الظلمة يعثر ويؤذي نفسه. والخطية تفصلنا عن الله وتبعدنا عنه وتمنع الصلة معه والاتصال به فيجب تصليح الخط بتصليح الخطأ. والخطية تسبّب الاحساس بالذنب واللوم وصِغر النفس، أما رفض الخطية فيُعطي الثقة القوية والقوة والفرح والتمييز الصحيح. "لان مَن يكتم خطاياه، لا ينجح، ومَن يقرّ بها ويتركها يُرحَم" (ام 13:28)، "وحافظ نفسه حافظ طريقه" (امثال 17:16)، " آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين الهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع" (اش 2:59)، "خطاياكم منعت الخير عنكم" (ارميا 25:5)، "ان ثبتم فيّ وثبت كلامي فيكم، تطلبون ما تريدون فيكون لكم" (يوحنا7:15). الثبات في الرب يعني الالتصاق به والاقتراب منه بقوة محبته لنا، أي عن طريق إزالة كل ما تدينه كلمة الله فينا من معطلات، عليّ أن أعمل بالكلمة وأرفض كل ما يفصلني عن الرب.
نبني قصوراً من ثلج، ثم نتعجّب انها تذوب !
القس ميلاد ديب يعقوب
معرفة ارادة الله - الجزء الاول